( بونراكو) مسرح الدمى الياباني …مقالي المنشور في عدد اليوم الاثنين ٢٠-٣ من صحيفة الصباح و على الصفحة الثقافية .
و هو عرض لكتاب الدكتور قاسم الاسدي ( مسرح الدمى الياباني ) الصادر عن جمعية المترجمين العراقيين و الذي يتضمن مقالات مترجمة عن هذا المسرح المتفرد و الذي يشكّل جزء من التراث الثقافي الياباني .و لمن يرغب في الاطلاع اليكم ادناه نص المقال مسرح الدمى الياباني ( بونراكو ) د. حسين علي هارف يشكّل مسرح الدمى الياباني ( بونراكو) مع مسرح النو و مسرح الكابوكي تراثا ثقافياً و مسرحيا اصيلاً و معروفا في اليابان و في العالم على حدٍّ سواء . فقد أعلنت منظمة اليونسكو إن مسرح الدمى الياباني ( المتفرد في خصوصيته الفنية و الثقافية ) هو أحد أعمدة التراث الانساني العالمي ( الشفهي و غير المادي) .ويسلط كتاب ( مسرح الدمى الياباني) الذي ضم مجموعة من المقالات المترجمة من قبل د. قاسم محمد الاسدي ، الضوء على هذا المسرح و نشأته و تطوره و قواعده الفنية فضلا عن الفنانين الاساسيين من محركي دمى و رواة و عازفين على آلة القيثارة المصاحبة لعروض هذا المسرح . كما يتطرق الكتاب الى اهم مسرحيات الدمى التي تنقسم الى قسمين .. المسرحيات التاريخية و المسرحيات المحلية ذات الموضوعات المتعددة و من اهمها موضوعة الصراع بين الالتزام الاجتماعي وبين الحب و التضحية .كما يخصص الكتاب قسما لتسليط الضوء على دمية ( بونراكو ) و انواعها و حجومها و انواع رؤوس تلك الدمى و ازيائها فضلا عن آليات تحريكها .و يُعد مسرح الدمى مسرحاً احترافيا ، و يتم تقديم عروضه بمصاحبة الغناء على وقع عزف الآلة التقليدية اليابانية ذات العلاقة الاوتار الثلاثة التي تُعرف ب ( الشاميزين) مع العرائس .و عادة ما يقوم بالعزف ثلاثة اشخاص .و قد تسمية مسرح بونراكو بهذه التسمية على إسم مروّج يُدعى ( يومور بونراكو) الذي قام بتشجيع هذا النمط من العروض في القرن التاسع عشر .و يتميز مسرح بونراكو بطابعه الذكوري الصرف ، فالمؤدون هم من الرجال فقط و قد شاع هذا المسرح في مدينة اوساكو و طوكيو ، و هو يحظى بشعبية كبيرة في الاوساط الشعبية .و على الرغم من إستخدامه للدمى ، لا يُعد البونراكو مسرحاً للاطفال ، و لقد كُتبت العديد من مسرحياته من قِبل اعظم مسرحيي اليابان و هو شيكاماتسو مونزايمون في القرن السابع عشر .و يمتلك محركو دمى هذا المسرح مهارات كبيرة تمكنهم من تقديم شخصيات المسرحية و كأنها شخصيات حيّة على المسرح ، إذ يتم التحكم في الدمى التي يبلغ إرتفاع كلّ منها حوالي متر واحد ، من قِبَل محرك يرتدي رداءً اسودا على المسرح الواسع في حين يروي الرواة القصة بطريقة معبرة للغاية بمصاحبة موسيقى آلة الشاميزين . أما قصص المسرحيات فمأخوذة من مجموعات القصص المأساوية التي تصوّر الحروب الدموية في الحقبة الاقطاعية في اليابان و التي تمثل الادب الدرامي الياباني على أعلى مستوى .يبلغ حجم دمية البونراكو حوالي نصف الى ثلثي حجم الانسان ، و تظهر من على منصة مرتفعة بالقرب من المسرح حيث يتموضع خلفها محرك الدمية . و في المسرحية الواحدة يتم إستخدام حوالي اربعين الى خمسين دمية ، و هذه الدمى يتم الاحتفاظ بها لتكون معمرة إذ يمكن إستخدام كل دمية لقرن و نصف قرن .و يقوم حرفيون مهرة بصناعة شَعر الدمية من شَعر الانسان او شَعر ثور التبت الضخم . و يتم حياكة خيوط فردية في قناع الدمية النحاسية ، و هي عملية شاقة إذ قد يستغرق صُنع شَعر مستعار واحد ثلاثة اسابيع ، كما ان هناك ٨٠ نوع من قصات الشعر المختلفة للدمى الذكورية و ٤٠ قصة شعر للاناث .لكلّ دمية من دمى بونراكو إطار عام ، و لكلّ أداء مسرحي وقد تم تحسين آلياتها بحيث يمكن تحريك أصابعها و افواهها و عيونها . و يختلف حجم رأس الدمية وفقا لنوع الشخصية . فآمر الحرب القوي مثلا يمتلك رأساً أكبر من القروي المتواضع ، كما تتباين بشرة الدمى إيضا حسب الشخصية من البُنّي الى الابيض النقي . و تمثّل بعض الرؤوس انواع شخصيات متكررة مثل الصبية الجميلة و الصبي الصغير القروي و أحد سكّان القرية … الخ .و تتميز عملية تحريك دمية البونراكو بصعوبتها و تعقيدها ، إذ يتم تشغيل كل دمية بواسطة ثلاثة محركين ، أحدهم للساقين و الآخر للذراع اليسرى فيما يتولى المحرك الرئيسي تحريك الجسم و الذراع اليمنى و الرأس بما في ذلك التحكم في تبديل تعابير الوجه .و تتطلب عملية التحريك الجماعية هذه وفقا لذلك إنسجاماً تاما بين المحركين و تنسيقا دقيقا عالي المستوى ، ولا يكون محركو العرائس الثلاثة الذين يتحكمون بدمية واحدة مخفيين بل يمكن رؤية محرك الدمى الذي يظهر وجهه بدون تعبير بجوار رأس الدمية و إثنين اخرين من محركي الدمى يرتدون اقنعة و ملابس سوداء و همًا مرئيان ايضا للجمهور .يقوم الراوي في البونراكو برواية القصة و الحوار موفراً أصوات الشخصيات برفقة عازف الشاميزين الذي يُعد جزءً لا يتجزّأ من المسرحية وليس مجرد موفر للاصوات الموافقة .و على الرغم من ان الدمى المتحركة هي النقطة المحورية البصرية في مسرح بونراكو ، يركّز الكثير من المتفرجين إهتمامهم على الراوي الذي يجلس برفقة عازف الشاميزين بالزي الرسمي الكامل على مقعد منخفض على منصة صغيرة على الجانب الأيمن من خشبة المسرح .و يخلق التعاون الوثيق بين محركي العرائس الثلاث إنطباعاً بالحياة في الدمى . فتعاون الراوي و عازف الشاميزين يرفع النص المكتوب الى مستوى الدراما التعبيرية .أما خشبة مسرح بونراكو فهي بناء معقد الى حد ما ، و السمة الرئيسة لها هي المساحة التي توفرها لمحركي الدمى و التي تكون أعمق بحوالي متر واحد من الخشبة الفعلية و هذا يمكّن محركي الدمى من تحريكها على إرتفاع مناسب للجمهور . و يتضمن هيكل المسرح العديد من الدرابزينات التي يمكن إرفاقها بخلفيات مرسومة على الجوانب . و يستخدم بونراكو عادة مشهدا ملوّناً و هو ما يعكس جماليات الزخارف المسرحية المعقدة لكابوكي.و يمكن تغيير الخلفية الملونة المنقولة و العوازل الخشبية بسرعة لتشكيل – على سبيل المثال – منزل به حديقة و دواخله مما يتيح للجمهور رؤية ما في داخل المنزل و ما في خارجه. و قد تستخدم بعض الحيل الخاصة . فيمكن إنشاء بحر عاصف بواسطة موجات منقولة زرقاء و يستحضر إنطباع المشي أو السفر عن طريق وضع خلفية مع لوحة منظر طبيعي من جانب الى آخر . و كما هو الحال في مسرح النو فأن وتيرة الاحداث في البونراكو بطيئة و مملة الى حد ما و غالبا ما تتأصل الحبكة في الاخلاق الكونفوشيوسية و غالبا ما تتميز بشخصيات تتنازعها صراعات بين الواجب و الحب . في بعض الاحيان قد يستغرق ترديد كلمة واحدة اربع دقائق ، و كما يقول أحد الرواة ( بمجرد أن تنسجم مع الايقاع الهاديء و البطيء سوف تستمتع بالمسرحية ، و بالطبع فقد تمت إضافة بعض الاجزاء التي تبدو مملة بشكل متعمد لجعل ذروتها تبدو أكثر كثافة ).و قد تبدو الدمى و كأنها في وضع الوقوف أو تسير على خشبة المسرح ، و لكن في الواقع انها مرفوعة في الهواء بواسطة محركي الدمى الذين يقفون في منصة مسرحية مغمورة تعرف ب ( فونازوكو) و يتم تحقيق الوهم المسرحي من خلال جدار منخفض أمام الدمى و محركيها و الذي يوهم بالاشارة الى مستويات الارض و خداع الجميع تقريبا ، كما إن منصة المسرح تدور في نهاية كل مشهد .و يزودنا كتاب مسرح الدمى الياباني الذي يُختَتم بتقديم سرد لأهم المصطلحات المستخدمة في مسرح بونراكو ، يزودنا بما تحتويه أشهر مسرحيات بونراكو من قصص الحب و الانتحار مع وصف دقيق لتسلسل الاحداث و المشاهد بدءً من لحظات الافتتاح التي تبدأ بضرب قطعتين من الخشب معا لتنبيه الجمهور و الممثلين بأن كل شيء جاهز لبدء العرض
«بونراكو».. مسرح الدمى الياباني » جريدة الصباح (alsabaah.iq)