ندوة حوارية مع الفيلسوف الروسي وعقل بوتين الكسندر دوغين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نظمت جمعية المترجمين العراقيين بالتعاون مع دار ومكتبة عدنان يوم أمس ندوة حوارية مع الفيسلوف والمفكر والسياسي الروسي الكسندر دوغين للحديث عن نظريته السياسية الرابعة وكذلك مجمل الاوضاع في العالم والشرق الأوسط بمناسبة صدور النسخة العربية من كتابه ” النظرية السياسية الرابعة” الذي أصدرته دار ومكتبة عدنان. الكتاب من ترجمة الزميل مازن نفاع وتقديم الدكتور ياسر عبد الحسين.
أدار الندوة كل الدكتور قاسم الأسدي رئيس جمعية المترجمين العراقيين والدكتور ياسر عبد الحسين والاستاذ الدكتور علي عبد المنعم الأعرجي والاستاذ المساعد الدكتور هشام علي حسين.
حضر الندوة أعضاء الهيئة الادارية للجمعية واعضاء الهيئة العامة فضلاً عن اساتذة وطلبة كلية العلوم السياسية ومن المهتمين بالشأن السياسي.
في بداية حديثه توجه الكسندر دوغين بالشكر لجمعية المترجمين العراقيين على استضافته وعلى تنظيم هذه الندوة وأعرب عن سعادته بصدور النسخة العربية من كتابه ” النظرية السياسية الرابعة” في بغداد التي يعتبرها مهد الحضارات ومنطلق القيم والتقاليد الأصيلة.
ثم تحدث الكسندر دوغين عن مفهوم نظريته ” النظرية السياسية الرابعة” قائلاً بأن نظريته تقوم على نقد المشروع الحداثي الغربي عموماً وعلى نقد الآيديولوجيات الثلاثة الكبرى خصوصاً وهي الليبرالية والشيوعية والفاشية.
وعن الأيديولوجية الليبرالية الرأسمالية، يقول دوغين أنها تراجعت ومستمرة في التراجع بسبب تفكيكها للمرجعيات الإنسانية العقلانية، حيث تقوم على قيم زائفة كان من نتائجها ضياع الإنسان واغترابه وعيشه في عالم من الأوهام، وأضحى “المواطن” في المجتمعات الليبرالية الرأسمالية عبداً للسلع والأسواق، وسادت اللامساواة والاستبداد في تلك المجتمعات التي تصف نفسها ب “الديمقراطية”، مُحطمة سرديات الليبرالية الكبرى حول العقلانية والتقدم والمساواة. واضاف دوغين بأن الغرب، تحديدا الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تقوم بقيادة المشروع الليبرالي الرأسمالي الاحتكاري، وتعمل على فرض معاييره من خلال العولمة، بغرض فرض سيطرتها على العالم باعتبارها مرجعاً للنظام العالمي”.
أما ، الأيدولوجية الشيوعية باتجاهاتها الثلاثة فهي أيديولوجية يراها دوغين “دوغمائية مأزومة”، ولا تمتلك مشروع ثوري لتغيير المستقبل، بل انحدرت لذات المطالب التي تنادي بها الأيديولوجية الليبرالية (الحريات والحقوق، زيادة مساحات التمثيل،.. الخ) دون تحقيقها على أرض الواقع.
في حين أن الأيديولوجية الفاشية (وتشمل النازية)، فهي وفقا لدوغين ، أيديولوجية ذات “نزعة دولاتية” لا علاقة لها بالاشتراكية، وعملت على حشد المكونات الاجتماعية وتعبئتها بطرق قمعية لصالح أجهزة الدولة في إيطاليا موسوليني وألمانيا هتلر.
وأضاف دوغين بأن نظريته الرابعة تؤسس لعالم متعدد وأخلاقي تحترم فيه التقاليد والعائلة والأديان بعيداً عن تسلّط المركزية الغربية وقيمها الليبرالية. واستطرد قائلاً بأن نظريته، التي وصفها بأنها ذات النزعة “المحافظة الثورية” ، محافظة في التزامها بالقيم الإنسانية والأسرية، وثورية في مشروعها لبناء مستقبل مختلف كلياً، والتي تنادي بعالم جديد تعددي وأخلاقي بعيداً عن قيم المركزية الغربية، وهو عالم ممكن التحقق بقيادة روسية تجسّد السيادة الجيوسياسية لقوى القارة الأوراسية وحضاراتها الكبرى، وتحديداً روسيا، والصين، وإيران، والهند، أو مجموعة البريكس BRICS من جهة ، والعالم الإسلامي إذا ما توحد – في مواجهة القوى الأطلسية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية . ويرى دوغين بأن في العالم تكتلات كثيرة متعددة الأقطاب، أولها روسيا، والعالم الاسلامي وامريكا اللاتينينة وافريقيا.
ويرى دوغين أن انتصار روسيا على أوكرانيا من شأنه أن يمهد السبيل إلى تطبيق نظريته على الأرض لأن هزيمة أوكرانيا تعني هزيمة الغرب الليبرالي الذي يقاتل إلى صف اوكرانيا حتى وان لم يعلن ذلك.
وتحدث دوغين عن الصراع الفلسطيني- ” الإسرائيلي” قائلاً:
لا شك أن تصعيد الحرب الإسرائيلية مع فلسطين من شأنه أن يوحد العالم الإسلامي. ويتطرق الى الدعم الغربي ل” إسرائيل” حينما يتحدث المحافظون في الغرب مرة أخرى عن الدفاع عن “الحضارة اليهودية المسيحية في وجه المسلمين”، مضيفاً بأنهم، يعتبرون أن ” الأيديولوجية المتطرفة” لحماس توفر لهم الذريعة المناسبة لذلك. ومع ذلك، يرى دوغين أن مجتمع الإلحاد العميق والمادية وإضفاء الشرعية على جميع أنواع الانحرافات، والذي تخلى منذ فترة طويلة عن اللاهوت والقيم (والتوجهات) التقليدية، لا يمكن اعتباره مسيحيًا أو يهوديًا. ومضى بالقول بأنه إذا كان الغرب، كما هو الحال الآن، يدعم “إسرائيل” ، فإنها مذنبة بشدة بشيء ما، لأنه، في النهاية، إذا كانت حضارة الشيطان ( أمريكا) إلى جانبك، فهذا يعني أنك ارتكبت خطأً ما. وقال دوغين بأنه لا يوجد شيء اسمه عالم يهودي مسيحي، بل إنه ليس له أي معنى. أما العالم الإسلامي، على العكس من ذلك، فهو موجود، ولا تزال تقاليده قوية فيه. وقد اتضح أن اليهود والمسيحيين ليسوا ضد المسلمين، بل أن المسلمين هم الذين يقفون بالضد من الثقافة الشيطانية، وضد الدجال. ثم مضى دوغين ليقول بأن فكرة بايدن المتمثلة في الجمع بين موضوع دعم أوكرانيا ودعم ” إسرائيل ” تؤكد أن الغرب يقف دائمًا إلى جانب أولئك الذين يخضعون لهيمنته ويخدمونه.
وبالحديث عن عالم القطب الواحد والعالم متعدد الأقطاب ذكر دوغين بأن روسيا هي عالم متعدد الأقطاب، كما هو الحال مع الإسلام الذي هو عالم متعدد الأقطاب. وأضاف قائلاً بأن كل من القطبين، أي روسيا والعالم الآسلامي، يعارضان المحاولات اليائسة التي يبذلها الغرب لإنقاذ القطبية الأحادية وهيمنتها العالمية بأي ثمن، حتى ولو على حساب حرب عالمية. ولم يكن الصراع الفلسطيني مع “إسرائيل” هو الخط الأمامي لصراع الحضارات. لكنه أصبح كذلك في الوقت الحاضر.
وبالمثل، كانت التوترات بين روسيا وأوكرانيا ذات طابع إقليمي إلى أن حظي النازيون في كييف بدعم الغرب، فأصبحت الحرب في أوكرانيا بمثابة خط المواجهة في المواجهة العالمية بين التعددية القطبية والأحادية القطبية. ومضى بالقول بأن نطاق هذه المواجهة آخذ في الاتساع .
واختتم بالقول بأن مليارات الأشخاص على هذا الكوكب أصبحوا على قناعة بأن الغرب الجماعي وحلفائه هم الشر المطلق وحضارة المسيح الدجال. فالديمقراطيون ودعاة العولمة والمحافظون الجدد يقودون البشرية مباشرة إلى الهاوية. وهذا، بالمعنى الدقيق للكلمة، هو ما يفترض أن تفعله الشياطين.
ثم فتح باب النقاش للحاضرين الذين وجهوا أسئلة لضيفنا من موسكو وحصلوا على اجابات على تساؤولاتهم عن نظريته وعن مجمل الأوضاع في الشرق الأوسط.