الأسرة كيان مقدس في بلاد الرافدين فلنخافظ على هذا الكيان من محاولات هدمِه

الأسرة كيان مقدس في بلاد الرافدين
فلنخافظ على هذا الكيان من محاولات هدمِهِ

من كتاب قبسات من بلاد الرافدين: فضل بلاد الرافدين على البشرية بأقلام أجنبية
اعداد وترجمة د. قاسم الأسدي
يقول روبرتو نارانجو في مقالته التي تحمل عنوان” الزواج في بلاد ما بين النهرين القديمة وبابل” يقول أن المجتمع الغربي مدين إلى بلاد ما بين النهرين بخصوص مفهوم الأسرة. ويضيف بأنه حينما يقف أفراد الأسرة بفخر في جو احتفالي في شمال ولاية نيويورك ، أو حديقة في ميامي ، أو كنيسة قديمة في مونتريال القديمة- فاننا يمكن أن نُرجع بعض جوانب العلاقات الأسرية الحديثة وتكوينها إلى بلاد ما بين النهرين القديمة وبابل. ومن خلال وثائق قانونية لا حصر لها من العصر السومري إلى العصر السلوقي ، نرى الفرد كأب أو ابن أو أخ أو زوج- مضيفاً- أن جذور هذه العلاقات تبدأ بالتقدم للخطبة ، يليها عقد الزواج ، لتنتهي بالزواج. ثم يختار الزوجان الشابان من بلاد ما بين النهرين مكاناً للعيش. ويضيف الباحث بأنه في أي وقت من الأوقات حينما يُنجب المتزوجون حديثًا أطفالًا، يكون للأب ، بصفته رب الأسرة ، سلطة كاملة عليهم. وتمتد هذه السلطة إلى أمور مثل التبني والميراث. كما كان حجم الاسرة يعتمد على مكان تكوينها في بلاد ما بين النهرين.
ويرى الباحث بأن وحدة الأسرة في بلاد ما بين النهرين صغيرة ومقيدة ، على الرغم من وجود تجمعات تشبه العشائر أو حتى تجمعات قبلية في مناطق معينة في جنوب بابل. وفي العصر البابلي الجديد ، ظهر مقياس للوعي الأسري في شكل أسماء عائلات الأجداد لأغراض تحديد الهوية- وتكون الخطوة الأولى في تكوين وحدة عائلية ، سواء كانت صغيرة أو عشائرية ، هي الزواج.

ويمضي الباحث بالقول بأن الزوج المستقبلي ووالد زوجته يتفقان على عقد الزواج وحالما يتم التوصل إلى إتفاق الزواج، فأنه يعني أن حفل الزفاف الفعلي يمكن أن يتم بعد هذا الاتفاق. ويتمثل حفل الزواج بتسليم الزوجة إلى زوجها. فإذا كان كلاهما ينتميان إلى فئة المواطنين الأحرار ، فإن الزوج يقوم بتحجيب عروسه في حضور شهود ويُعلن رسميًا “أنها زوجتي”. وأثناء مراسم الخطوبة ، يسكب زوج الفتاة المستقبلي العطر على رأسها ويُحضر لها الهدايا والمؤن. وبعد الزفاف ، يبقى مكان إقامة الزوجين هي كل ما يتبقّى.
ويرى الكاتب أن الحياة الزوجية قد تبدأ إما بإقامة العروس في منزل والدها أو الذهاب مع زوجها إلى منزله. وفي الحالة الأولى ، يعطى الزوج للزوجة مبلغًا يسمى الدوماكي مقابل صيانة المنزل. فإذا مات الزوج ، تظل هذه المساهمة ملكًا للأرملة فقط إذا لم يترك المتوفى أبناء أو إخوة. من ناحية أخرى ، إذا ذهب الزوجان الشابان للعيش في منزل الزوج ، تجلب الزوجة معها شيريغتو ، أو مهرًا.
ويبقى الشيريغتو ، مع الهدايا التي تلقتها العروس ، ملكية غير قابلة للتصرف لأطفالها ، ولا يمكن لإخوة زوجها المطالبة بها. وإلى جانب هذه الهدايا ، قد تتلقى العروس مفصل زواج أو نيودونو ، وهو هدية خاصة يتم تقديمها لها في وقت خطوبتها. ويظل النيدينو ملكاً لها حتى وإن تطلّقت من زوجها. أخيرًا ، ستحصل الزوجة أيضًا على هدية من الذهب أو الفضة أو الرصاص أو الطعام للاستهلاك في وليمة الزفاف. وبعد الزفاف ، يستقر الزوج والزوجة على روتين الحياة اليومية. وبالنسبة للزوج ، يكون في العادة هذا الزواج هو زواجه الوحيد ، ما دامت الزوجة على قيد الحياة وتنجب الأطفال.

ويمضي الباحث بالقول بأن المناسبة الوحيدة التي تعتبر مبررة ومشروعة للرجل أن يتزوج بامرأة أخرى هي في حالة ثبوت عقم الزوجة الأولى. وتُعَد ولادة الطفل الأول بمثابة خطوة أخرى في حياة الزوج لأنه أصبح الآن رب الأسرة. وفي الفترة البابلية المبكرة ، تم أيضًا وضع أحكام لتأمين مهر الابنة ونفقات زواج الابن الأصغر. وفي العادة ، كان الإخوة يشتركون في الحقول والحدائق الموروثة لمنع تقسيمها إلى قطع أصغر. وغالبًا ما كانوا يعيشون مع عائلاتهم في منزل والدهم. وتستمر الأرملة في العيش في منزل زوجها السابق كما هو متوقع ويُعيلها أولادها.
وينهي الكاتب مقالته عن الزواج والاسرة في بلاد مابين النهرين بالقول:
” كما ذكرنا سابقًا ، تعود مكونات الأسرة الحديثة بما في ذلك الزواج والزفاف والعلاقات الناشئة عن ولادة الأطفال إلى بلاد ما بين النهرين. وقد قام سكان بلاد ما بين النهرين بتدوين هذا الجانب من الحياة البشرية ووضعوا لكل احتمال تقريبًا قانونًا أو مدونة سلوك أسست للتطور المستمر حتى يومنا الحاضر.”