الترجمة تقاوم قراءة في كتاب قصائد غربية مناهضة لحرب الإبادة الجماعية على غزة

*الترجمة تقاوم*قراءة في كتاب:”قصائد غربية مناهضة لحرب الإبادة الجماعية على غزة”إعداد وترجمة الدكتور قاسم محمد حسن الأسدي القراءة بقلم : ✍ ️محمد عبد الرضا هادي الساعدي أمستردام 23 ديسمبر 2023على إيقاع موسيقى طوفان الأقصى تواصل الانتصارات الفلسطينية تسجيلَ صورٍ ومواقف مشرقة على أصعدة متعددة. والإصدار أعلاه مصداق ناصع على صولةٍ فنية ثقافية تصر على مواصلة النصر…. ذلك أن الترجمة الجادة هي انتصار للغة الأصلانية لسكان الأرض المقدسة، وما حولها، ولكل من ينتمي إليها أولاً، وأن التزام الترجمة قضية فلسطين هو انتصار ( للأدب الملتزم ) في نضاله للدفاع عن المظلومين والمضطهدين عالمياً ثانياً، وأن جودة الترجمة التي حققت أعلى درجاتها في الإصدار الذي نحن بصدد تناوله يعد انتصاراً حقيقياً لحقل الترجمة الأدبية بالرغم من محدودية النصوص المقدمة.سأقف عند هذه الملامح المشار إليها على نحو المقاربات السريعة، مركزاً على القسم الثاني من الكتاب، وهو القسم الخاص بالقصائد، وأترك القسم الأول الذي بذل فيه الكاتب والمترجم جهداً مشكوراً في مجال التوثيق المختار بخبرةٍ عالية لأهم النشاطات الجماهيرية والأعمال الفكرية والثقافية المدافعة عن غزة.*انتصار الترجمة*اغتراب القارئ العربي عن التفاعل مع لغته الأصلانية إلى درجة القطيعة عند شرائح واسعة من أصحاب التعليم العالي، ونفور ملحوظ عند الأجيال الجديدة التي نشأت مع ثورة تكنولوجيا المعلومات يعد مؤشراً غير صحي البتة، يجب معالجته كأزمة تهدد وجود الإنسان العربي، فاللغة ـ أيّ كانت ـ تدخل في أسس تكوين الذات ووعيها بهويتها، ولم تعد أداة من أدوات التعبير فحسب، بل هي جهاز متكامل من أجهزة التفكير، والمتابع لما أُنتج وما يزال يُنتج في حقل الالسنيات منذ عصر التنوير الأوربي ووصولاً الى المدرسة البنيوية والتفكيكية، وما بعد الحداثة يعرف ما نقصد، واليوم تطرح موضوعات اللغة من قبل فلاسفة كبار كحلول حياتية – على جانب كبير من الذكاء والإضافة والمتعة – للعديد من المشاكل الإجتماعية والنفسية ، خذ على سبيل المثال ما صدر في الولايات المتحدة الأمريكية قبل ثلاثة أسابيع تحت عنوان : The Politics of Language, David Beaver and Jason أو سياسة اللغة، ل ديفيد بيفر وستانلي جيسون،وفيه يقدم الكاتبان رؤية جديدة في نظرية المعنى، ويوضحان إمكانية الدلالة على توظيف اللغة حسب الأطر الإجتماعية والعقيدية للتأثير السياسي والثقافي، ما يستتبع القمع وتقويض الديمقراطية وأعمال الابادة الإجرامية …. ولهذا الحديث سياق آخر. تكثيفاً لأهمية الموضوع ينبغي التأكيد على أن خصوصية اللغة العربية تكمن في أنها تحتضن تراثاً ثراً من المعرفة التي تشكلت عنها حضارة الأمة الإسلامية عامة، وانخفاض حجم التعامل معها، وارتفاع معدلات تداولات اللغات الأجنبية يؤكد عن تراجع الوعي بأهمية الذات، لأنها – بكل بساطة – الدلالة الأبرز تفرداً على الاستقلالية والسيادية والاستمرارية، وهي محرك الإنتاجية والإبداعية والجمالية… ومن الاحتفاء الاستشهاد بشذرات نفيسة للرائع الرائد في أعمال الترجمة المجاهدة ( كمال أبو ديب ) في مقدمة ترجمة كتاب ( الثقافة والامبريالية ) للمفكر الفلسطيني المقاوم إدوارد سعيد، يقول أبو ديب:”وهذه الترجمة فعل مقاومة أيضاً، من النمط الذي يتحسسه ادوارد سعيد في كتابات أجيال من المفكرين الذين يناقش أعمالهم. ولئن كان بألمعيته يشير إشارات لمّاحة إلى فعل المقاومة باللغة، فإنه في تقديري لا يولي هذا النمط من المقاومة ما يستحقه من عناية. فهو دون ريب يعنى عناية وافية بالمقاومة المتمثلة في استعمال المستعمرين للغة المستعمر، وإنتاجهم لأدب مغاير بها، لكن المقاومة باستخدام اللغة الأم هي أيضاً وجه جذري من آليات المقاومة الحقيقية للاستعمار، … بيد أن الجانب الآخر لما فعلته هناك – يقصد ترجمته لكتاب الاستشراق لإدوارد أيضاً – وأفعله هنا هو، في الواقع، إبراز فعل المقاومة باللغة وبالجهاز المعرفي الذي توفره، ومقاومة الاستعمار اللغوي والثقافي: مفهومياً “لهذا وذاك: إن حرص أبناء هذه الأمة على توفر فريق من المترجمين الكبار – أمثال مترجم العمل الذي نقارب بعضاً من ايحاءاته – لإغناء العربية بالمعارف الأجنبية يشير إلى احترام هذه الأمة لحق البقاء واحترام الذات المنتجة.*الترجمة والالتزام*ما يصنّف على الالتزام في شتى ضروب الفن، يسري على الترجمة كذلك، فإن الترجمة فن وإبداع، وحينما تصطف الترجمة مع عقيدة أو قضية من قضايا الإنسان المصيرية، وتجنّد نفسها للدفاع والتعريف والتثقيف بكل ما يخص القضايا الإنسانية المنتهكة من قبل قوى امبريالية أو دكتاتورية أو عنصرية، وتفضح جرائمها عبر اختيار أعمال ونصوص المبدعين والناشطين المتضامنين مع حقوق الإنسان في العيش الآمن الكريم، فهي بذلك تعبر عن التزامها المبدئي بتلك القضايا أسوة بأصحاب النصوص نفسها. لهذا بالذات أمكن توصيف الإصدار الذي نحن بإزائه كواحد من الأعمال الترجمية الملتزمة بقضايا الإنسان وحقوقه الملحة، ذلك لأنه يتبنى محاربة أكبر مجزرة بشرية بحق شعب يتعرض إلى الإبادة والتهجير منذ ثمانين عاماً. والشيء البشع في هذه الحرب أن المحتل المتوحش في هجومه المبيد يتلقى تغذية عسكرية وأمنية وقانونية من دول تعرف بتمسكها بحقوق الإنسان ونبذ العنف ومحاربة الكراهية…. حيال تحالف الشر هذا كان لزاماً على الأحرار في العالم أن يشكلوا تحالفاً فيما بينهم لقول الحق ونصرة الخير وتبادل الأفكار والطرائق لفعل المقاومة، وصاحب فكرة الإصدار الأصيل سعى للتعريف الجاد بأصوات عالمية لم تحتجزها الجغرافيا، ولا مناهج الفكر، ولا اختلاف الثقافات في الجهر بمشاعر الفجيعة مما يجري على أطفال فلسطين بخاصة، وشعبها وأرضها وتأريخها بعامة… فمن الضروري الإطلاع على مثل هذه الأصوات المتحدية الاستقطابات البغيضة في حياتنا المعاصرة… إنها تعزز الثقة بالأُخوة الإنسانية والإيمان بقوة الخير. *جودة الترجمة*يخطئ جداً من يحسب أن الترجمة هي نقل معاني الكلمات من لغة إلى أخرى. إن المترجم المحترف يخضع لسنوات من الدراسة والتأهيل والتدريب على قرآءة وكتابة النصوص المتنوعة قديماً وحديثاً، وإجراء المقارنات والمقابلات باستمرار بين الأعمال المترجمة حتى يصل إلى مستوى الإتقان في اللغة المستهدفة فضلاً عن الإتقان التام في اللغة الأم، مع تنمية حس الإبداع لديه، فالترجمة المحترمة لا تقوم من دون الإبداع فضلا عن ذلك أن في بعض البلدان الأوربية، ومنها البلد الذي أسكن فيه – هولندا – على سبيل المثال، يقيم فارقاً بين النصوص الأدبية وغير الأدبية أو الخيالية وغير الخيالية Fiction and Nonfiction ، ويحتدم الجدل بين المؤيدين ومعارضيهم حول الفارقية نفسها، فالنصوص التي تندرج تحت أجناس القصة والرواية والشعر يضطلع بها مترجمون متخصصون بها، وينالون أجوراً مرتفعة بالمقارنة مع المترجمين للنصوص الواقعية أو المعروفة باللغة العلمية والمباشرة. فالأعمال الأدبية تتطلب تفسيراً وإعادة صياغة ونقل سياقات اجتماعية وثقافية للنصوص المنتجة في بيئاتها الخاصة، إلى جانب مهارة المحافظة على الرمز والصورة والتضبيب وقابلية تعدد القراءة واستكناه الدلالة الفلسفية، وتذوق الجمالية بعامة…..ما يهمنا من كل ذلك، أن بصمات سيطرة أستاذ مدرسة الترجمة العراقية الحديثة الدكتور قاسم الأسدي في معالجته للنصوص الأدبية ناصعة رصينة صادقة… لا تحتاج إلى تدليل؛ بل هي درس ومنهج يمكن أن يفيد جميع المشتغلين في مجال الترجمة …لا تحس وأنت تقرأ في النصوص الشعرية التي كُتبت عن حرب غزة وحصارها أنك تقرأ نصوصاً مترجمة من لغة أخرى، بل أنك أمام الكتابة الأصلية للنصوص، وهنا تبرز الإشارة المزدوجة في قدرته المدهشة على فهم النصوص وتمثلها الكامل…. وقابلية استيعاب أساليب مختلفة، مع إمكانية تحويلها إلى العربية دون الإضرار بصفائية لغتها وإيحائية صورها وانسيابية معانيها، لهو إنجاز جدير بالتمجيد والإعجاب والجزاء الجم ….