العراق منافس عربي في ترجمة ونقل آداب العالم

بغداد-علي صلاح بلداوي

عام 1970، تأسست “جمعية المترجمين العراقيين” كإطار يجمع شمل المترجمين في العراق، فكانت أوّل جمعية للترجمة في الوطن العربي، ووصل عدد الأعضاء المشاركين فيها إلى 18 ألف عضواً.ما بين التأسيس والغزو الأميركي على العراق عام 2003، اقتصرت أنشطة الجمعية على إقامة ندوات ثقافية، وتنظيم دورة أو دورتين في الترجمة العامة لخريجي أقسام اللغات والترجمة، والمصادقة على ما ينجزه أعضاؤها من ترجمات. لم يكن في جعبة الجمعية الكثير لتقدّمه للكُتّاب والمثقفين بسبب قلّة التمويل، وغياب مقرّ مناسب لها (كانت تمارس فعالياتها في شقّة صغيرة مستأجرة)، والأهم من ذلك، بسبب الرقابة الصارمة التي فرضها النظام السابق على النشر .بعد عام 2003، تبدّل واقع الجمعية نحو الأفضل، وأصبح لها مقرّ لائق تنظّم فيه ندوات ثقافية أسبوعية، ومؤتمرات علمية، ومهرجانات شعرية ومسرحية، وحفلات تكريم للمترجمين، فضلاً عن تنظيم دورات الترجمة واللغات. توسّعت خدمة الجمعية لتشمل إعداد المترجمين للعمل في دوائر الدولة والمحاكم، وغيرها من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية. وأصبح بإمكان المترجمين والكُتّاب، المشاركة في مشروع “ترجمة 100 كتاب”، أحد أهم المشروعات في العراق والعالم العربي.الشرق” التقت رئيس الجمعية الأكاديمي الدكتور قاسم الأسدي، الذي أوضح أنه منذ تسلمّه رئاسة الجمعية عام 2017، أخذ على عاتقه توسعة برامجها الثقافية خارج إطار الترجمة؛ “فأنا أؤمن بأنه لو لا الترجمة والمترجم لما تعرّفنا على الفكر العالمي، ولما تعارفت الحضارات والثقافات على بعضها”. أضاف: “أخذت الجمعية على عاتقها تنظيم ندوات ثقافية في المسرح والشعر والسينما وفي السياسة والفلسفة، كما نظّمنا مهرجانات شعرية ومسرحية، وقدّمنا عروضاً سينمائية. واستحدثنا نادي سينما للأطفال، بهدف بناء قدرات الطفل وشخصيته ثقافياً”. ولفت إلى أن الجمعية “استعادت كبار الكُتّاب والشعراء في فعالياتها، مثل مهرجان شكسبير في الآداب العالمية، ومهرجان مظفر النواب، ومهرجان حِسَب الشيخ جعفر وحياة شرارة، وغيرهم من الكُتّاب المهمّين”. سعت الجمعية للخروج نحو العالمية، واستضافت شعراء وروائيين وفلاسفة ومفكّرين من العالم، آخرهم المحلل السياسي والفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين، الذي تحدّث عن آخر التطوّارت في العالم عموماً، وفي الشرق الأوسط خصوصاً.100 كتاب (سلسلة أولى)عام 2017، أطلقت الجميعة مشروع “ترجمة 100 كتاب” إلى العربية، بمشاركة مترجمين عراقيين يتقنون مختلف اللغات. وصدرت عنه ترجمات في الرواية والشعر والسياسة والاقتصاد والتاريخ والدراسات الترجمية.يقول الأسدي عن بداية المشروع: “إنه أحد أبرز المشروعات الثقافية في العراق، تبنيته شخصياً عام 1998، لكنه لم ير النور بسبب الرقابة على المطبوعات وقلّة التمويل، وبعد عودتي إلى الجمعية، سعيت إلى تفعيله وانطلقنا بفضل دعم الهيئتين العامة والإدارية”. يسعى المشروع إلى نقل الآداب والعلوم العالمية إلى اللغة العربية، وكذلك نقل الحضارة والفكر والآداب العراقية والعربية إلى اللغات الأجنبية، فضلاً عن المباحث التي تعنى بالترجمة. أوضح الأسدي أن المشروع “انطلق بتمويل ذاتي من الجمعية التي لم تتلقّ أي دعم من جهة خارجية حكومية أو غير حكومية. إنه مجّاني تطوّعي، تتولى خلاله الجمعية عملية التنضيد والتدقيق اللغوي والتنسيق وغيرها من الأمور الفنية، وصولاً إلى الطباعة، ويحصل المشارك على 40 نسخة من الكتاب عرفاناً لمشاركته معنا”.تحديات وتأخيركان من المتوقّع أن ينتهي مشروع ترجمة 100 كتاب خلال ثلاث سنوات، لكنه لم يعلن عن اكتماله حتى فترة قريبة، ويُعزى ذلك إلى تحديات عدّة واجهت القائمين عليه من إداريين ومترجمين، فضلاً عن الإغلاق بسبب الجائحة عام 2019. العناوين ومعايير الاختيار المتصفّح لإصدارات الجميعة، سيجد فيها عناوين في حقول عدّة، ذلك أن اهتمامات المترجمين وخبراتهم متنوّعة، وهذا ما يجعلنا نسأل عن المعايير التي تضعها الجميعة لترجمة الكتب، لجهة الجودة والأهمية والندرة. يجيب الأسدي: “نسعى جاهدين لتلبية ذائقة القارئ العراقي والعربي، لجهة اختيار الأعمال المشاركة. يتم ذلك بالتنسيق بيننا وبين دار النشر التي ستطبع ما نصدره، لأنهم على اطلاع واحتكاك بالشارع الثقافي، وعلى دراية برغبات القرّاء”. ولفت إلى تركيز الجمعية على نشر الدراسات، “إذ لا نميل إلى نشر النصوص الروائية أو المسرحية، إلا إذا كانت مهمة وحديثة. كما نهتمّ بطباعة المعاجم والقواميس التي لها أهمية في دعم عمل المترجم الفوري والتعاقبي، كما أصدرنا الكثير من الكتب التي تعرّف القارئ بحضارة بلاد الرافدين”. 100 كتاب (سلسلة ثانية)في الرابع من مايو 2024، احتفت الجمعية بإنجاز مشروع “ترجمة 100 كتاب” في سلسلته الأولى، وأطلقت السلسلة الثانية من المشروع، لتكون المئة الثانية بعد الأولى، وصدر منها 9 كتب حتى اليوم. ما يلفت النظر هو مشاركة كُتّاب وباحثين ومترجمين من مصر والجزائر والأردن وغير من البلدان العربية، فضلاً عن مغتربين عراقيين. وعن الفترة الزمنية المحددة لإنجاز السلسة الثانية

يقول الأسدي: “لا توجد خطة زمنية، لكننا نطمح إلى إنجازها بأسرع وقت، لننتقل إلى الثالثة والرابعة وصولاً إلى الألف كتاب، وهو منتهى الطموح”. انطلاقة من الروايةأعلن عن انطلاق السلسة الثانية من المشروع الترجمي من خلال رواية “شهادة وفاة”، للكاتب الروسي نيكولاس يفدوكيموف.يشير الأسدي إلى أننا “ارتأينا طباعة هذا العمل أولاً، إكراماً لمترجمه المتمرّس الدكتور عبد الواحد محمد مسلط، شيخ المترجمين المشاركين في المشروع، وثانياً كي نوجّه دعوة لمترجمين كبار للمشاركة معنا”.وعن العناوين التي سيتم الاهتمام بها في هذه السلسلة، يؤكد الأسدي “على التنوّع في الخيارات، فمن يلقي نظرة على أوّل تسعة كتب طبعناها، سيرى دراسات تطبيقية في الترجمة العامة، وترجمة النص الديني، ودراسة نقدية، وعمل مسرحي، ودراسة مهمّة باللغة الانجليزية عن أصل حروف الهجاء ونشأتها وتطوّرها من سومر، وعمل مهم غير مترجم لجورج أورويل، ودراسة عن السينما، وترجمة لتجربة أحد الشعراء الروس وغيرها”. إثراء سوق الترجمةيسعى القائمون على المشروع إلى تعزيز المكتبة بكل ماهو جديد، ما من شأنه أن يكون إثراء ثقافياً وترجمياً، وهو ما يحتلّ قلب المشروع. في السلسة الثانية وفّرت الجمعية مساحة لأدب الطفل الذي نعاني نقصاً فيه، فضلاً عن الذكاء الاصطناعي وتأثيره في الترجمة، كترجمة الشعر والمسرح والرواية والترجمة الفورية وغيرها. يؤكد الأسدي على الجهود الكبيرة التي تبذلها الجمعية في رفد الشارع الثقافي العربي، فضلاً عن دار المأمون للترجمة، وبيت الحكمة. يقول: “أعتبر العراق منافساً عربياً رغم قلة الاهتمام الحكومي بهذا الجانب، وخير دليل هو مشاركة دور النشر العراقية في معارض الكتب في العواصم العربية، إذ تستقطب الكتب التي تعرضها القرّاء العرب، وخصوصاً منها الكتب المترجمة.شحّ المترجمينعلى الرغم من أن أعضاء الجمعية هم من مترجمي اللغات، مثل الإنجليزية والفرنسية والروسية والألمانية والاسبانية والتركية والإيطالية والعبرية والفارسية والسريانية، لكن هناك شحّ في المترجمين عن اللغة الصينية والبولونية والصربية.يشير الأسدي “إلى وجود مترجم واحد فقط لكل لغة، بينما لا يوجد مترجم عن الأوردو، أو اليابانية أو الكورية، وغيرها من اللغات التي تعتبر مهمة. لذلك فإن الكتب المترجمة عن هذه اللغات، غالباً ما تُترجم عن الإنجليزية. مثلاً يوجد لدينا خمسة إصدارتٍ عن الأدب الياباني، تُرجمت عن الإنجليزية”. تطوير الحقل الترجمييؤكد الأسدي على دور الجمعية “في تعزيز واقع سوق العمل الترجمي، من خلال الدورات التي تنظمها، مثل الدورات التخصصية في الترجمة العامة والقانونية والتعاقبية والفورية. وحالياً هناك دورة تطويرية في الترجمة الفورية والتعاقبية ستسمر 6 أسابيع”.تصنيفات